الشمول المالي في دول مجلس التعاون الخليجي
مبادرة الجهاز المصرفي في دولة الإمارات العربية المتحدة
أصحاب المعالي والسعادة
السيدات والسادة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني اليوم أن أطرح عليكم بعض الأفكار و الجوانب المتعلقة بموضوع "الشمول المالي"، نظرا لما له من أبعاد إقتصادية و إجتماعية هامة.
يمكننا القول بأن مفهوم الشمول المالي يتمثل في : تمكين جميع أفراد المجتمع من التمتع بفرصة الاستفادة من الخدمات المالية التي تقدمها مختلف المؤسسات المالية بتكلفة معقولة..
غير أن تحقيق ذلك يتضمن تحديات ومعوقات عديدة يتعين التعامل معها.
وتكمن أبرزها في عدم وجود إطار جاهز يمكن لمختلف الدول اعتماده في هذا المجال، نظرا إلى تباين ظروف وسمات كل دولة ، بما في ذلك تباين التركيبة السكانية، مستوى تعليم السكان، مستويات التنمية الاقتصادية والنظم الاجتماعية السائدة.. الأمر الذي يفرض على كل دولة إيجاد نهجها الخاص الذي يناسب ظروفها على الوجه الأمثل.
وإذا نظرنا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، سنجد أن فيها شريحتين رئيسيتين، تضم الأولى الأفراد الذين يزيد متوسط دخلهم عن 3000 درهم، والذين يتمتعون بسهولة الوصول إلى مختلف التسهيلات والخدمات المصرفية، في حين تضم الشريحة الأخرى الأفراد الذين تقل دخولهم عن ذلك المستوى، وهي الشريحة التي يتعين أن يغطيها الشمول المالي، بالنظر إلى أن أفرادها ينفقون كامل دخلهم تقريباً على الوفاء باحتياجاتهم اليومية، ويتطلعون للحصول على خدمات مالية أساسية منخفضة التكاليف
وبالنظر إلى تجربة الجهاز المصرفي في دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال، فإنني أقترح أخذ المحاور التالية بعين الإعتبار في سبيل تحقيق الشمول المالي :
أولا: السماح لشركات الصرافة ومكاتب البريد بفتح حسابات توفير:
نظراً لمحدودية فائض الدخل المتاح لهذه الشريحة من العملاء، فإن متطلبات الحد الأدنى للرصيد ورسوم صيانة الحسابات المصرفية التي تفرضها البنوك التجارية لتغطية استثماراتها الضخمة في تطوير البنية التحتية تحول دون تمكن هؤلاء العملاء من فتح حسابات توفير.
وتشمل الخيارات المتاحة للتغلب على هذه المشكلة تطوير مؤسسات مالية يمكن أن توفر خدماتها بكلفة منخفضة. كما أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها أيضا شبكة واسعة من شركات الصرافة التي يمكن للبنوك المركزية وضع تشريعات تتيح لها فتح حسابات التوفير لهذا القطاع مع بعض القيود الفنية.
ثانياً: تأسيس مؤسسات التمويل متناهي الصغر لتلبية الاحتياجات المالية الشخصية والمتطلبات المالية لأصحاب المشاريع بالغة الصغر
يحظى قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة بتغطية جيدة من قبل البنوك التجارية القائمة. غير أن توفير التمويل لأصحاب المشاريع بالغة الصغر ورواد الأعمال الصغار الذين يدخلون قطاع الأعمال لأول مرة يمثل تحدياً يتعين على الجهاز المصرفي في دول المجلس التعامل معه. كما أن هناك ،في بعض الأحيان، حاجة لتوفير تمويل شخصي لشريحة العملاء ذوي الدخل المنخفض.
ولا يمكن للبنوك التجارية أن تملأ الفجوة في هذا المجال لأن الإقراض لهذا القطاع يتطلب نهجاً وأساليب عمل مختلفة عما هو سائد ضمن القطاع المصرفي.
ويمكننا في هذا المجال النظر إلى التجربة الناجحة للإقتصادي المعروف محمد يونس الذي توجت جهوده بجائزة نوبل على ما بذله من جهود في مجال المؤسسات المالية المتخصصة لتلبية احتياجات تمويل المشاريع بالغة الصغرفي بنغلاديش.
ويمكن هنا إنشاء مؤسسات خاصة أو شركات تمويل متخصصة في تقديم التمويل للأعمال متناهية الصغر في دول مجلس التعاون الخليجي، تبعاً لشروط وقواعد تنظيمية تحددها البنوك المركزية. فالتمويل للمؤسسات متناهية الصغر يندرج ضمن التمويل المتخصص، الذي يحتاج توفيره إلى مؤسسات مالية متخصصة.
ثالثا: إستخدام التكنولوجيا في الشمول المالي:
حيث تعد المدفوعات من أبرز المجالات التي يمكن للتكنولوجيا إحداث تطور نوعي فيها، بحيث يتم التشجيع على إستخدام التكنولوجيا التي تمكن بشكل مباشر ،بسيط وآمن إتمام المدفوعات من قبل شخص لآخر، ضمن رقابة وتوجيهات المصارف المركزية.
ويسعدني أن أطرح في هذا المقام ، المبادرة التي يعمل على إنجازها اتحاد مصارف الإمارات ومصرف الإمارات المركزي، وتشمل إطلاق محفظة مالية نقالة على مستوى الدولة، مدعومة من قبل البنوك لتوفير خدمات مالية لمختلف شرائح السكان من خلال الهواتف المتحركة.
وتتيح هذه المبادرة لجميع سكان دولة الإمارات الذين يمتلكون هواتف نقالة الاستفادة من الخدمات المالية ذات القيمة المضافة التي توفرها المحفظة الرقمية بما فيها الارتباط المباشر مع العديد من وسائل الدفع.
و نعمل حالياً بتوجيهات ومتابعة من مصرف الإمارات المركزي على دراسة النماذج المختلفة المستخدمة في هذا المجال ضمن دول مختلفة، لانتقاء الخيار الأمثل الذي يضمن تقديم خدمات تجمع بين الكفاءة العالية وأرفع معايير السلامة والأمان، بما يتماشى مع مبادرة الحكومة الذكية، التي اعتمدتها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي الختام، أود التأكيد على أن تحقيق الشمول المالي لجميع شرائح السكان يعد أمراً حيوياً لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته