تناولت وسائل الإعلام وعدد من المؤتمرات المصرفية مؤخراً الضغوط التي تتعرض لها المصارف لرفع نسبة المواطنين بين كواردها البشرية بما يتماشى مع أهداف سياسة التوطين ويلبي متطلبات خطط التنمية البشرية المستدامة في الدولة.
في الواقع، استقر عدد المواطنين الذين يعملون في القطاع المصرفي بدولة الإمارات في العام 2013 عند حوالي 11.700 مواطناً، بعد أن وصلت الى 12.500 مواطناً خلال العام 2012. وفي حين يمثل هذا الرقم حوالي32% من إجمالي عدد موظفي القطاع، إلا أنه الممكن أن يكون أعلى من ذلك، والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هو السبب وراء توقف نمو عدد الموظفين المواطنين في القطاع المصرفي؟ وكيف يمكننا التعامل مع هذه الظاهرة؟
ليس هناك أدنى شك من أن المصارف تعمل جاهدة لزيادة عدد المواطنين بين صفوفها، اذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع فيه أن مصرفاً ما أعلن عن برنامج جديد، سواء لتوظيف المزيد من المواطنين أو تطوير قدرات موظفيه عبر برامج تدريبية مناسبة. وهناك مصارف أخرى قامت بإنشاء أكاديميات ومدارس لتاهيل المواطنين ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم المهنية في القطاع المصرفي.
ومن السهل عقد مقارنات عامة مع الدول الخليجية الأخرى والاستنتاج بأن دولة الإمارات لا تزال الاقل من حيث نسبة عدد المواطنين من إجمالي القوى العاملة في القطاع المصرفي المحلي. وفي حين أن اتحاد مصارف الإمارات كان ويبقى من أكثر الحريصين على دعم التوطين وتشجيع الكوادر البشرية المواطنة للانضمام الى هذا القطاع الحيوي، إلا أن زيادة العدد، بحسب رأينا، ليس المقياس الوحيد للنجاح. والأهم من ذلك قدرة الكوادر البشرية الإماراتية على إثبات جدارتها وارتقاء المسار الوظيفي من خلال اعتلاء المناصب القيادية العليا في المؤسسات المصرفية، ولدينا قناعة بأن الكثير من التقدم قد تم إحرازه على هذا الصعيد حتى الآن سيما ان هناك عدد من المصارف اليوم تدار كافة فروعها من قبل كفاءات إماراتية، وأن نسبة متنامية من كبار المسؤولين التنفيذيين فيها من مواطني دولة الإمارات.
ومما لا شك فيه أن القدرة على الاحتفاظ بالكوادر المواطنة المتميزة يعد كذلك من المقاييس المهمة الأخرى لنجاح جهود التوطين، سيما وان الاحتفاظ بتلك الكوادر، سواء في القطاع المصرفي أو غيره من القطاعات الاقتصادية، شكل تحدياً بالنسبة للمؤسسات، وخاصةً في ظل مستويات النمو الاقتصادي التي تشهدها حالياً دولة الإمارات. وفي الحقيقة، فإنَّ كافة أعضاء اتحاد مصارف الإمارات، يبحثون بشكل دائم عن أفضل المواهب والكفاءات البشرية لتعيينها. وبالمقارنة مع دول الخليج الأخرى، نجد أن دولة الإمارات تتفوق على معظم دول المنطقة من حيث عدد المصارف (باستثناء دولة البحرين)، وبالتالي، فإن التحدي اكبر لبلوغ نسب التوطين المطلوبة.
وفي الوقت نفسه، تعمل القطاعات الاقتصادية الأخرى على استقطاب المزيد من الكوادر البشرية المواطنة، بما فيها قطاعات الإعلام والتكنولوجيا والصناعة والهندسة والطاقة. ولا ننس أن 90% من إجمالي عدد الموظفين المواطنين في الدولة والبالغ عددهم 225 ألف موظف، يعملون في القطاع الحكومي. ورغم جهود الحكومة لتنويع الخيارات المهنية أمام المواطنين بهدف تشجيعهم على دخول القطاع الخاص، لا يزال القطاع الحكومي احد جهات العمل المفضلة لدى المواطنين.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ 53% من إجمالي عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص، والبالغ عددهم 22 ألف موظف مواطن، يعملون في القطاع المصرفي. وبالتالي، يمثل القطاع المصرفي أحد الخيارات المفضلة بالنسبة للمواطنين الذين اختاروا العمل في القطاع الخاص. ولكن، ما الذي يمكن للمصارف القيام به لتعزيز إقبال المواطنين على العمل فيها؟ وهنا، أقترح ثلاث أولويات.
أولاً، يجب على المصارف إطلاق مبادرات جديدة لاستقطاب أفضل الكوادر المواطنة وتمكينها من تحقيق النجاح المهني في القطاع المصرفي. وثانياً، واستكمالاً للأولوية السابق ذكرها، لا بد للمصارف من تعزيز تنافسية وجاذبية بيئات العمل فيها ما يمكنها من استقطاب والاحتفاظ بأفضل الكوادر البشرية المواطنة، سيما المؤهلون لبلوغ مناصب عليا، ونحن لا نقصد الحوافز المالية فحسب، بل جعل العمل في القطاع المصرفي خياراً مفضلاً للمواطنين. اما الأولوية الثالثة، وربما الأكثر أهمية، تكمن بإبراز العدد المتنامي للمواطنين الذين تمكنوا من الوصول إلى أعلى المناصب.
وعلى الرغم من أن عدد الرؤساء التنفيذيين المواطنين في القطاع المصرفي هو الاكبر مقارنة مع أي قطاع اقتصادي آخر في الدولة، إلا أن هناك حاجة لزيادة عدد الكوادر البشرية المواطنة ضمن المناصب الإدارية العليا. وإذا تحققت الأولويات اعلاه، تصبح الارقام أقل أهمية لقياس مدى النجاح في تحقيق أهداف سياسة التوطين، ليتحول النجاح المهني إلى العامل الأقوى في جذب وتشجيع الآخرين للعمل في القطاع المصرفي.
عبدالعزيز الغرير
رئيس اتحاد مصارف الامارات