الذكاء الاصطناعي في القطاع المصرفي: ضرورة لا غنى عنها
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التكنولوجيا المتطورة ومدى تأثيرها على مختلف القطاعات. غير أنه قد بات من المسلّم به أن على مؤسسات الأعمال أن تبقى مواكبة لكل ما يستجد في مجال الابتكار التقني، الأمر الذي يتطور بوتيرة متسارعة من شأنه أن يتطلب تحديثاً دائماً للاستراتيجيات والخطط التي ترسمها تلك المؤسسات، كي تتمكن من مواكبة التطورات المستقبلية في الوقت المناسب.
يواجه القطاع المصرفي برمته حالياً العديد من التحديات المترتبة عن التكنولوجيا الجديدة، ويُعد الذكاء الاصطناعي العنصر الأكثر تأثيراً. و ها نحن اليوم نشعر بالاهتمام المتزايد في أوساط القطاع المصرفي لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف أوجه ممارسات الأعمال، وذلك لما تتمتع به هذه التكنولوجيا المتطورة من إمكانات غير محدودة لإحداث تحول جذري في الطريقة التي تنتهجها البنوك في ممارسة الأعمال. لقد باتت الامارات في طليعة الثورة التكنولوجية العالمية وأصبحت المصارف في الدولة مستلهمة لنظيراتها في العالم في تطبيق التكنولوجيا الذكية في عملياتها اليومية، ومع ذلك، لا يزال تبني التكنولوجية المتطورة والذكاء الاصطناعي على نطاق القطاع المصرفي بأكمله تحدياً كبيراً.
ومما لا شك فيه أن طريقة تعامل الافراد مع البنوك ستخضع لتحول كبير في المستقبل القريب، إلا أن تجربة العملاء ستبقى على الدوام في صميم الأعمال، إذ يشكل الارتقاء بها تحدياً أمام البنوك وفرصة على حد سواء. وباستخدام الأدوات والأجهزة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتي يمكنها تحليل البيانات الضخمة على نحو منهجي لاستخلاص أنماط سلوك العملاء، سيكون بمقدور البنوك أن تقدم لعملائها منتجات وخدمات تناسب احتياجاتهم على الوجه الأمثل.
وعلى نحو مماثل، فقد أحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات محورية في أنماط تفاعل العملاء في القطاع المصرفي. وقد قامت العديد من البنوك بتهيئة نماذج خاصة بخدمة العملاء تعتمدها من خلال دمج تطبيقات "chatbots" التي تستخدم للتواصل والتعامل مع العملاء تماماً كموظف خدمة العملاء. وقد ساعد هذا الحل الذكي الجديد، والذي يستخدم على الأغلب تطبيقات الدردشة الحية التي تستند إلى الرسائل النصية عبر
التطبيقات الشائعة مثل "فيسبوك ماسنجر" و"واتس آب" وغيرها من المنصات، البنوك على تقليص الوقت الذي يستغرقه ربط العميل بموظف العلاقات المختص، فضلاً عن تقديم خدمات متعددة التخصصات دون أي تأخير. وهناك بعض البنوك التي تقوم حالياً بالفعل بتجربة تطبيقات "chatbots" لتقدم لعملائها تجربة مخصصة تستبق احتياجاتهم.
وعلاوة على ذلك، فقد سرّع الذكاء الاصطناعي وتيرة عملية الأتمتة في القطاع المصرفي، وبات بإمكان البنوك تقليل التكلفة التشغيلية بحوالي 50% من الكلفة الاساسية من خلال اعتماد التكنولوجيا ذات التكلفة المنخفضة نسبياً، والتي يسهل تطويرها وصيانتها. وقد نجح أحد البنوك في الدولة بتحقيق ذلك على أرض الواقع من خلال إطلاق رجل آلي ناطق باللغتين العربية والإنجليزية، والذي يقوم بالاستماع إلى طلبات العملاء وحل مشاكلهم. كذلك أعلن أحد البنوك المحلية خططه لاعتماد تطبيقات "chatbots" لتولي مسؤوليات 10% من القوى العاملة لديه، والتي سيتم توزيعها للاطلاع بالمزيد من المهام الجسدية والمعرفية.
وفي الوقت الذي تتعرض فيه البنوك للمزيد من التهديدات المتعلقة بالجرائم السيبرانية، فإن الذكاء الاصطناعي يبرز كدرع أمان في وجه هذه التحديات التي تواجه القطاع. إذ من خلال التعلم الآلي وحل المشاكل، يمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط ورصد الحالات غير الاعتيادية لتتمكن من كشف أي اختراقات عند حدوثها والاستجابة لها والتعامل معها بشكل فوري.
وعلى الرغم من أن بعض البنوك قد بدأت بالفعل في جني ثمار التكنولوجيا الآخذة في التطور بوتيرة متسارعة، غير أنه يبدو أن البعض الآخر لم تحسم أمرها بعد. ومما لا شك فيه أن البنوك في الدولة تتقدم مقارنةً مع غيرها من دول المنطقة لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه التكنولوجيا، ويعزى السبب في ذلك إلى منظومة الذكاء الاصطناعي المتطورة في الدولة والتي كانت قد أطلقت استراتيجية حصرية في أكتوبر 2017، وكذلك البنية التحتية الذكية المتنامية باستمرار. وبغية الارتقاء بالكفاءة والأداء الحكومي ودفع عجلة مشاريع التنمية المستقبلية، فقد أطلقت الدولة "استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي"، وقامت بتعيين وزيرة دولة للذكاء الاصطناعي في خطوة هي الأولى من نوعها في العالم. كما أعقب ذلك قيام الحكومة باستثمارات كبيرة لتعزيز تطوير التكنولوجيا المبتكرة، وذلك بهدف إحداث تغييرات تحويلية تشمل مختلف وحداتها. أما فيما يتعلق بالبنوك،
فقد أوجدت هذه المبادرة الجديدة في نهاية المطاف بيئة مواتية لها لوضع التكنولوجيا الحديثة قيد الاختبار بما يتناسب مع نماذج أعمالها وتحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات والفرص التي تتيحها.
وختاماً، يجدر القول بأن الزخم التصاعدي الذي يصيغ به الذكاء الاصطناعي مشهد القطاع المصرفي، بات يشكل دعوة تحفيزية للبنوك التي لم تلتحق بعد لأن تحث الخطى لتواكب التوجه العام. وإذا نظرنا بعمق إلى القطاع المصرفي في الوقت الراهن ومدى تأثره بالتحول التكنولوجي، نرى بأن التكنولوجيا المتطورة ستصبح قريباً من الضروريات التي لا غنى للبنوك عنها لتحقيق النمو، أو حتى الاستمرار والبقاء في بيئة تتزايد فيها التنافسية يوماً تلو الآخر.
معالي عبدالعزيز الغرير، رئيس اتحاد مصارف الإمارات
جريدة الخليج بتاريخ 4/2/2018
http://www.alkhaleej.ae/analyzesandopinions/page/631a8a61-c038-458a-910b-a851d8bae9f9