يعمل القطاع المصرفي في جميع أنحاء العالم في عصر يشهد تطوراً مطرداً للتكنولوجيا التي أصبحت مواكبتها تشكل الفصل ما بين نجاح الأعمال أو إخفاقها في مختلف القطاعات والأسواق.
ومع تزايد الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في تطور القطاع المصرفي، يشهد التوجه نحو اعتماد الصيرفة الرقمية في الإمارات العربية المتحدة وفي جميع أنحاء المنطقة ارتفاعاً ملحوظاً. وتكشف أحدث الدراسات التي أجرتها «ماكينزي» أن أكثر من 80% من المستهلكين في المناطق الحضرية في الدولة يفضلون الآن القيام بجزء من معاملاتهم المصرفية عبر القنوات الرقمية. ومما لا شك فيه أن الرقمنة في القطاع المصرفي تحقق فوائد جوهرية وملموسة في مجال خدمة العملاء، وتطوير المنتجات، وغيرها من المجالات الأخرى.
وضمن إطار مشهد الصيرفة الرقمية، تشهد العمليات المصرفية تحولاً متنامياً نحو المنصات المتحركة. وأكدت دراسة أجرتها شركة التدقيق والضرائب والاستشارات الدولية «كي بي ام جي» العام الماضي على اعتماد المستهلكين المتنامي على الحلول المتحركة لتلبية احتياجاتهم المصرفية، حيث تأتي المملكة العربية السعودية والإمارات في طليعة معدلات الاعتماد على الخدمات المصرفية عبر الهاتف المتحرك بنسبة 60% و52% على التوالي. ووفقاً لتقديرات شركة «جيمالتو» المتخصصة في مجال الأمن الرقمي، فإن عدد مستخدمي الخدمات المصرفية عبر الهاتف المتحرك في الشرق الأوسط وأفريقيا سيتجاوز 80 مليون مستخدم بحلول العام 2017.
واستجابة لتفضيل المستهلكين لهذا التحول الرقمي، تتجه البنوك في الإمارات العربية المتحدة نحو الاستثمار في مجال الابتكار الرقمي، مع التركيز بشكل خاص على تحسين أمن المعاملات المصرفية عبر الهاتف المتحرك وإثراء تجربة المستخدم. ويستفيد المستهلكون في دولة الإمارات اليوم من أحدث التقنيات المصرفية التي باتت في متناول اليد، سواء كانت القياسات الحيوية، تعزيز الواقع، أو الدفع بدون لمس.
واليوم، باتت البنوك تستخدم أدوات تحليلية متقدمة على نحو متزايد لتحسين كفاءة تقييم المخاطر وتعزيز الإيرادات. وتتيح هذه الدراسات التفصيلية فرصاً كبيرة للبنوك، وذلك من خلال المساعدة على اتخاذ قرارات تستند إلى رؤى عميقة. ومن خلال استخدام البيانات والتحليلات على كافة مستويات الأعمال، تستطيع البنوك تكوين فهم أفضل لعملائها وتطوير عروض الخدمات المصممة خصيصاً لتلبية احتياجاتهم.
ويحقق مفهوم «الصيرفة المفتوحة»، والذي يشير إلى نظام متصل من الخدمات المالية التي تتيح للبنوك تعزيز عروضها الرقمية بشكل آمن وسريع، انتشاراً لافتاً في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومع تطور هذا النظام، فإنه سيجلب المزيد من الشفافية المالية لأصحاب الحسابات، مع تعزيز مستويات أمن وحماية العميل. وقد قام اتحاد مصارف الإمارات بمبادرات رائدة في تطوير منصة مصرفية مفتوحة، تربط المصارف الأعضاء بالهيئات التابعة للحكومة مثل هيئة الإمارات للهوية.
ولعل أكثر التقنيات الناشئة التي شكلت علامة فارقة في القطاع هي تقنية «بلوك تشين»، والتي تتمكن من خلال قدرتها على تسجيل أي شيء ذي قيمة وضمان أعلى درجات أمن المعاملات، من إحداث تغيير إيجابي لا يقتصر على القطاع المصرفي والمالي فحسب، بل العالم كما نعرفه. وليس من المستغرب أن تكون دبي تعتمد بشكل واسع على تقنية «بلوك تشين». وقد أفصحت الإمارة عن خطتها لتصبح أول حكومة تعتمد على هذه التكنولوجيا في العالم بحلول عام 2020، وذلك ضمن إطار توجه يهدف إلى جعل الخدمات الحكومية أكثر كفاءة وخلق الآلاف من فرص الأعمال في القطاع الخاص. وتنطوي هذه الرؤية الطموحة على تطبيق تقنية «بلوك تشين» في مجموعة واسعة من القطاعات بما في ذلك الخدمات المصرفية والعقارية والرعاية الصحية والنقل والتخطيط العمراني والطاقة والتجارة الرقمية والسياحة. وتماشياً مع هذه المبادرة، قام اتحاد مصارف الإمارات بإنشاء لجنة رقمية بهدف رئيس يتجسد بالاستفادة من هذه التكنولوجيا لمواءمة المؤسسات المالية مع رؤية الحكومة.
وقد حازت ريادة دبي في مجال الابتكار الرقمي على المزيد من التقدير مؤخراً، وذلك عندما قامت ماستركارد بإطلاق «مؤشر التطور الرقمي لعام 2017»، والذي وضع دبي ضمن لائحة «النخبة الرقمية» في العالم، وذلك جنباً إلى جنب مع سنغافورة والمملكة المتحدة ونيوزيلندا وإستونيا وهونغ كونغ واليابان. ومع قرب إطلاق «المحفظة الرقمية» لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن وتيرة ومدى انتشار التحول الرقمي في البلاد تشهد تقدماً ثابتاً.
شهدنا هذا العام استثمارات ملموسة في مجال الخدمات المصرفية الافتراضية في دولة الإمارات. ومن المتوقع أن تحل التقنيات المشابهة لأتمتة العمليات الآلية (RPA) مكان ما يصل إلى ثلاثة أرباع وظائف المكاتب الخلفية والوسطى في القطاع المصرفي خلال السنوات الـ 15 المقبلة، ومن الجلي أن العالم الرقمي هو ساحة المنافسة الجديدة لنمو الخدمات المالية في أنحاء المنطقة والعالم ككل.
معالي عبدالعزيز الغرير - رئيس اتحاد مصارف الامارات
جريدة الاتحاد بتاريخ (15/10/2017)
http://www.alittihad.ae/print.php?id=60492&y=2017