في مقالة نشرتها صحيفة "غلف نيوز"الناطقة بالإنجليزية في العام الماضي تحدث معالي عبدالعزيز الغرير ، رئيس اتحاد مصارف الإمارات ، عن فجوة الكفاءات والمهارات المتخصصة بوصفها واحدة من أبرز التحديات الرئيسية التي تواجهها المصارف الإسلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول . واستناداً إلى العديد من الأبحاث واستطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات أكاديمية حول هذا الموضوع في السنوات الأخيرة فقد توصّلت إلى النتيجة ذاتها وهي أنه إذا لم يتم سد هذه الفجوة، فإن معدل النمو السنوي البارز الذي حققه قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية في السنوات الأخيرة والبالغ (15%)، قد يتلاشى.
بالطبع ليس هذا هو التحدي الوحيد الذي يقف في مسيرة نمو المصارف الإسلامية، إذ شهدت جميع المصارف في الدولة خلال العام الماضي اجواءً عالمية اقتصادية مضطربة، والتي قد تستمر في العام 2016 حسب توقعات أراء عدد من المحللين والاقتصاديين. إلاّ أنه بالنسبة للصيرفة الإسلامية تحديداً، فإن التحدي سيتضاعف ما لم يتم توظيف كفاءات متخصصة.
لماذاتفتقرالمصارفالإسلاميةإلىالكفاءات؟
عندما ظهرت الصيرفة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي، جاءت غالبية المصرفيين العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية الجديدة آنذاك من خلفيات مصرفية قائمة على التمويل التقليدي، هذا الى جانب افتقار مجالس الشريعة الإسلامية إلى المعرفة والخبرة المالية الواسعة خلافاً لما هو عليه الحال اليوم .
وفي ظل تزايد زخم الصيرفة الإسلامية، اكتسب الوافدون الجدد إلى هذا القطاع خبرات واسعة وتعمقت معرفتهم بالأمور المالية بل وأصبحوا أكثر دراية بكيفية ابتكار أدوات ومنتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية تقدم بدائل لمنتجات المصارف والمؤسسات غير الإسلامية ذات الهيكل التقليدي. وفي السياق ذاته، انخرط علماء الشريعة في تطوير إطار تنظيم صناعة الصيرفة الإسلامية ليصل الى ما هو عليه الآن.
إلا أن توفر دورات و برامج تعليمية متخصصة تتيح الفرصة أمام الراغبين في دخول قطاع الصيرفة الإسلامية الالتحاق بالعمل في هذا القطاع مباشرةً، بقيت محدودة ، وعليه أجد أننا الآن ندفع ثمن ذلك في ظل تسارع وتيرة نمو قطاع الصيرفة الإسلامية.
لكن هذا لا ينفي التقدم الذي أحرزه هذا القطاع منذ بداياته. إذ تتواجد حالياً أكثر من 500 مؤسسة تعليمية موزّعة في جميع أنحاء العالم (طبقاً لبيانات مؤشر التنمية المالية الإسلامية الصادر عن "تومسون رويترز" والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص) تقدم دورات تعليمية ودرجات علمية متخصصة في التمويل والصيرفة الإسلامية، وتأتي ماليزيا والمملكة المتحدة على رأس القائمة حيث تستضيف كل منهما 50 مؤسسة تقدم دورات تعليمية حول التمويل الإسلامي وتحل دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثالثة (اعتباراً من يناير 2014) حيث تستضيف 31 مؤسسة تعليمية تقدم دورات تعليمية و9 مؤسسات تقدم شهادات علمية في الصيرفة الإسلامية.
رغم ذلك لا تزال السوق متعطشة للكفاءات والخبرات، حيث أشار رئيس اتحاد مصارف الإمارات في مقالته السابقة إلى أن دولة الإمارات وحدها بحاجة إلى آلاف المصرفيين المتخصصين (اذ ان سوق دبي وحده يحتاج الى اكثر من 8000 موظف متخصص في الصيرفة الإسلامية).
إذاكيفيمكنللمصارفالإسلاميةاستقطابالمزيدمنالموظفين؟
كخطوة أولى تحتاج معظم المؤسسات المالية الإسلامية، منفردةً أو مجتمعةً، إلى تدريب موحّد حول الصيرفة الإسلامية، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز ماليزيا المالي العالمي خلال العام 2015 ثلاث فجوات في الكفاءة تعاني منها المصارف الإسلامية وتتمثل في تطوير الخبرات فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية والابتكار وتطوير المنتجات والمعرفة الفنية بالتمويل الإسلامي. وأذكر هنا أنه لا بد أن تصبح البرامج التدريبية المقدمة أكثر شمولاً وعمقاً في قطاع الصيرفة والتمويل الإسلامي عوضاً عن تركيزها على نسبة قليلة من المصارف الكبيرة، التي بدورها تقوم بتمرير المعرفة للمصارف الصغيرة.
وأرى أنه من الممكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز التعاون مع المؤسسات الأكاديمية بهدف ضمان توفير المواهب والكفاءات التي تلبي احتياجات القطاع، عبر تعزيز العلاقات بين قسم الموارد البشرية في المصارف الإسلامية والكليات ومن خلال تقديم منح دراسية وتوفير برامج متخصصة ودورات تعليمية مفصّلة يتم إعدادها بمشاركة المصارف الإسلامية ومؤسسات كبيرة بارزة في أسواق التكافل ورأس المال الإسلامي.
وتتمثل الخطوة الثانية في اعتماد معايير يسهل فهمها عندما يتعلق الأمر بتحديد المنتجات التي تقدمها المصارف وغيرها من المؤسسات الإسلامية. وعلاوة على الأثر الإيجابي الذي قد ينجم عن هذه الخطوة في شأن تنظيم قطاع الصيرفة الإسلامية، فقد يسهم هذا الأمر أيضاً في توضيح ما يقدمه القطاع لعامة الجمهور. وأعتقد أنه كوننا نمثل قطاع الصيرفة الاسلامية، فلابد أن نعمل بجد كي نؤكد أن القطاع ليس مقتصراً على مجال او فئة معينة، ما يعزز بالتالي تحقيق هدفنا الاساسي .
إن التقدم الذي أحرزته المصارف الإسلامية في دولة الإمارات على صعيد تقديم منتجاتها وخدماتها جاء متسقاً مع، بل ومتفوقاً على المعايير التي حددها روّاد السوق العالميين. ولهذا السبب، تشهد المصارف الإسلامية -على سبيل المثال-نمواً مطرداً في استخدام خدماتها عبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، بل إن بعضها الآن بات من بين أبرز مزودي الخدمات المصرفية للأفراد في دولة الإمارات. وبالحديث عن الاختيار الوظيفي، لابد من توجيه رسالة إلى أي طالب ينوي التخصص في دراسة الخدمات المصرفية الإسلامية إلى أنه لا داعي للقلق فهذا التخصص لا يقيّد طموحاته ولا يقف حائلاً دون تحقيقها. بل يجب النظر إليه على أنه خيار وظيفي ممتاز تماماً كما هو حال قطاع الخدمات المصرفية التقليدية على مدار تاريخه.
خلال فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية، بات ينظر إلى التمويل الإسلامي على أنه نموذج عمل أكثر استدامة من نظيره التقليدي، وبالتالي لا بد من الاستفادة من هذا الزخم بدلاً من الاكتفاء بما تحقق. حتى وإن كان بمقدورنا إظهار مدى ثقة العملاء في القطاع المصرفي الإسلامي القائم على أسس سليمة وإبراز نجاحنا في تلبية تطلعاتهم، فإنه يتوجب الوفاء بالوعد الذي قطعناه على أنفسنا. لذا، عندما يفكر طالب ما في التقدم لوظيفة معينة في قطاع التمويل، لا سيما في دولة الإمارات، فلابد وأن تكون المصارف الإسلامية خياره الطبيعي.
طراد المحمود، الرئيس التنفيذي لمصرف أبوظبي الإسلامي و عضو في المجلس الاستشاري للرؤساء التنفيذين في اتحاد مصارف الإمارات