بقلم معالي عبد العزيز الغرير رئيس اتحاد مصارف الإمارات
لو قمت يوماً بزيارة أحد مكاتب تسجيل الشركات في أي من الدول ذات الاقتصادات المتطورة أو متسارعة النمو، لأدركت حينها حجم التحديات التي تواجه هذه الشركات لكي تتمكن من مواصلة ممارسة أعمالها وتجنب الفشل، حيث الغالبية منها تتوقف عن العمل في غضون ثلاث سنوات. في المقابل يشهد العالم بشكل يومي إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة جديدة تسعى لتحقيق النجاح، حيث في دولة الامارات على سبيل المثال، فإن 92% من الشركات تصنف ضمن فئة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتساهم في توظيف أكثر من 80% من اجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص، ما يستدعي دعم هذه الفئة لكي تتمكن من النمو والاستمرار بما يعود بالفائدة على الاقتصاد ككل. ولهذا الغرض فقد شكل اتحاد مصارف الإمارات لجنة تضم مجموعة من كبار المتخصصين من ممثلي المصارف العاملة في الدولة، تتمثل مهمتها في التعاون من أجل إيجاد حلول تساعد في تعزيز الدعم المقدم للشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال توحيد جهود كافة المصارف لتحفيز نمو تلك الشركات ومساعدتها على التطور والاستمرار بشكل خاص، ولتلبية تطلعات هذا القطاع الحيوي بشكل عام.
يثني اتحاد مصارف الإمارات على الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة في سبيل مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تحقيق النجاح، إذ نص قانون الشركات الصغيرة والمتوسطة، الذي تم إطلاقه بداية العام الجاري، على تأسيس مجلس متخصص للإشراف على عمل تلك الشركات ودعمها. كذلك، وفي إطار الجهود الرامية لدعم هذا القطاع، استضاف مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي خلال العام ندوة خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة بمشاركة مؤسسات أخرى بما فيها "صندوق خليفة" و"مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة" و"مؤسسة التمويل الدولي"، وغيرها لدعم أصحاب تلك الشركات من خلال التدريب وصقل المهارات وتوفير الدعم المالي.
غالباً ما يؤخذ على المصارف تحفظها في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، إذ ان حجم إقراض المصارف لتلك الشركات لا يتجاوز ال 4% في دولة الامارات، و ال 8% في الدول العربية من اجمالي الإقراض، وقد أظهرت دراسة حديثة لمؤسسة التمويل الدولية (التابعة للبنك الدولي) النقطة ذاتها، حيث أشارت إلى أن هناك فجوة تمويل تتجاوز قيمتها 13 مليار دولار للشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط، كذلك يتضح ضعف حجم التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية الممنوح لهذه الشركات، فقد أظهرت الدراسة أن 17% فقط من البنوك الـ160 التي شملتها الدراسة وفرت تسهيلات خاصة لهذه الفئة من الشركات.
ومن وجهة نظري، لا يشكل توفر التمويل اللازم القضية الأساسية التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة في دولة الإمارات. ولا تختلف الإمارات عن باقي الدول الأخرى فيما تواجهه هذه الشركات من صعوبات في بداية انطلاقتها، بل يكمن التحدي في مصدر تمويل الشركات المبتدئة حيث هناك شح في تمويل هذه الفئة على الرغم من توفر مجموعة من خيارات التمويل الاخرى، مثل "يوريكا" و"كيك ستارتر".
ولا بد من الإشارة إلى حاجة رواد الأعمال من أصحاب الشركات الصغيرة جداً أو الناشئة الى المزيد من الجهد والمعرفة فيما يتعلق بكيفية اقناع البنوك لتقديم الدعم المالي اللازم لهم، سيما إثر الأزمة المالية العالمية، حيث باتت المصارف أكثر تحفظاً في سياستها الإقراضية وأكثر انتقائية في التوجه لإقراض الجهات ذات الجدارة الائتمانية العالية. وعليه يتوجب على تلك الشركات استيفاء بعض الشروط كي تحظى باهتمام ودعم المصارف. اذ بداية، لا بد لنا من إدراك أن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتمتع بسجل ناجح تمتلك فرصة أكبر من الشركات المبتدئة للحصول على التمويل اللازم من المصارف. وبشكل عام، تتطلع المصارف الى ما يثبت قدرة الشركات على النمو وتحقيق الازدهار، والذي يظهر بعد اكمال عامها الأول أو الثاني، لتتوفر لديها المؤشرات الكافية الى أنها تتمتع بالهيكلية المناسبة التي تضمن استمراريتها و نجاحها، قبل منحها التمويل اللازم. من هذا المنطلق، يتوجب على الشركات الناشئة ، في اول سنة او سنتين من انشاؤها وقبل أن يتم تصنيفها رسمياً كشركات صغيرة أومتوسطة.، أن تبني سجلاً ناجحاً وعلاقات وطيدة مع المصرف الذي تختاره كي تحظى بثقته ودعمه وتستفيد من خدماته المصرفية والاستشارية، ما يمكن المصارف من اتخاذ قرارات مدروسة بشأن إقراضها.
وينبغي كذلك على الشركات الصغيرة ادارة أعمالها بشكل يساعدها على بناء قاعدة متينة تمكنها تحقيق نمو مستدام في المستقبل، وعدم التسرع في اتخاذ خطوات متعددة في آن واحد والعمل على توزيع استثماراتها وتنفيذ خطط نموها تدريجياً. وليس شرطاً الاقتداء، في هذا الخصوص ، بتجربة بعض الدول الاخرى، مثل سنغافورة على سبيل المثال، حيث تباع الشركات الصغيرة والمتوسطة الناجحة خلال فترة متوسطها ثلاثة أعوام، ليعيد رواد الأعمال الكرة مرة أخرى ويطلقوا مشاريع جديدة، رغم انه لا مانع ان يكون هذا الخيار ضمن الاستراتيجية الشاملة لهذه الشركات في دولة الامارات فذلك يتيح لرواد الأعمال الناجحين تكرار الإنجازات التي حققوها بما يعود بالفائدة على الاقتصاد ككل.
في الختام، يحتاج رواد الأعمال الشباب الى المزيد من المعرفة حول متطلبات وكيفية تمويل البنوك لمشاريعهم الناشئة، إذ بالتأكيد تتوفر لدى البنوك الرغبة والاستعداد لتقديم التمويل والدعم اللازم لتلك الشركات، ولكن، لكي يتحول المشروع الناشئ إلى شركة صغيرة ومن ثم متوسطة وحتى كبيرة، من الضروري للغاية بناء علاقة متبادلة شفافة ومفتوحة بين هذه الشركات والبنوك منذ البداية.